Abstract:
تنطلق هذه الرسالة في دراستها لمقدّمة كتاب الخفاجيّ من تفحّص التقاطع بين المختارات كشكل أدبيّ وبين البُنى التي شَغَلَها الخفاجيّ في مسيرته العلميّة/المهنيّة. ومن هنا تتفاعل مع حقل المختارات الأدبيّة من ناحية ومع حقل التأريخ للقرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديّين، فتفتح حوارًا بينهما من موقع نصّ الخفاجيّ ذاته في محاولة لتفحّص بنية النصّ ومنطق الجمع فيه. إنّ ما يميّز نصوص المختارات الأدبيّة هي المعايير الحاكمة للاختيار من جهة ومنطق نظم وعرض الموادّ ضمن أبواب أو فصول من ناحية أخرى، وعليه فإنّي أقوم بتسمية الجانبين معًا "منطق الجمع" أي جمع المادّة من ناحية وجمعها في الكتاب من ناحية أخرى. يقدّم الخفاجيّ في مقدّمة كتابه منطق الجمع هذا من خلال الخطّة التي يضعها للكتاب: تحمل المقدّمة المحاور الناظمة للكتاب ومواضيعه المُتقاطعة ما بين التجربة الشخصيّة والتاريخ والتأليف في المختارات الأدبيّة. أضف إليه، فإنّ المقدّمة تقدّم تأريخًا لتأليف الكتاب نفسه خاصّةً وأنّ الكتاب هو إعادة كتابة لكتاب آخر أو لمؤلَّف سابق للمؤلّف نفسه، ومن ناحية أخرى فهي تقدّم تخطيطًا للكتاب يسمح لنا بفهم طريقة حياكة هذه الأجزاء وفهم علاقتها ببعضها والغرض من جَمعِها في مؤلَّف واحد.
إنّ دراسة تجربة الشهاب تسمح لنا باستكمال صورة دراسات القرن السابع عشر، وتحديدًا فهي تسهم في دراسة الإنتاج الفكريّ والأدبيّ في القرن السابع عشر بعيدًا عن سرديّة الانحطاط، ويتمثّل الإسهام الرئيس لهذه الرسالة في تقديمها قراءةً لرؤية الخفاجيّ لمشروع كتابه كما يبلوره في مقدّمة الكتاب، فنستكشف من خلال هذه المقدّمة العلاقة ما بين الكتاب وحياة المؤلّف، فلا يمكن فصل عمليّة التأليف أو ما نسمّيه في رسالتنا "منطق الجمع" عن الدوائر المعرفيّة التي تحرّك فيها المؤلّف، ومثالٌ عليها موقعه العلميّ ضمن مؤسّسات السلطنة العثمانيّة وعلاقاته الشخصيّة ومحيطه الجغرافيّ. ثمّ إنّ هذه العلاقة تفرضها بنية النصّ نفسه، حيث تشير إلى الرابط النصّيّ ما بين تأريخ الخفاجيّ لنفسه وعمليّة تأليف الكتاب، ويظهر هذا جليًّا في أنّ الكتاب نفسه تحرّك ما بين نسختين، نسخة أصليّة تتمثّل بكتاب خبايا الزوايا فيما في الرجال من بقايا أعاد الشهاب ترتيبها ليؤلّف كتابه ريحانة الألبّا وزهرة الحياة الدنيا من منطلق النظر في رحلة حياته. ومن هنا فإنّ هذه الرسالة تقدّم قراءة نصّيّة بالأساس، والتي لا يمكن أن تتمّ دون فهم حياة الخفاجيّ وتاريخ تلك الفترة، وعملًا بما تقدّم فإنّها تقترح مقاربةً إضافيّةً لما قُدّمَ سلفًا عن التأليف في المختارات الأدبيّة من خلال تفحّص البُنى المعرفيّة التي تُحَرّك الكاتب في عمليّة جمعه لعناصر النصّ المختلفة من سياقات اجتماعيّة وتاريخيّة وأدبيّة. ثمّ إنّ مقاربتنا هذه سمحت لنا بتدقيق آخِر ما توصّلت إليه آخِر الأبحاث حول شخصيّة الخفاجيّ كما تظهر مثلًا في دائرة المعارف الإسلاميّة النسخة الثالثة.